يميل للمدرسة التاريخية والمدرسة الرمزية الأسطورية الكاتب القطري حسن علي أنواري

عندما ابتعدت عن العمل الصحفي تمكنت من الإبداع !
استطعت أن أحفر لنفسي مدرسة خاصة في الكتابة
أنا عاشق للعراق وتاريخه الحضاري والإنساني وثقافته عميقة الجذور
حوار : أزهار الأنصاري
متابعة-رشاحافظ
برغم تأخره في إصدار روايته الأولى (ناريا) إلا أنَّه فاجأ الوسط الأدبي بها فكانت بداية ناضجة للكاتب القطري حسن علي أنواري، ومحطة مهمة جداً في مسيرته الإبداعية التي بدأها في الصحافة ،مكنته من ذلك دراسته للتاريخ وللحضارات.
يستعد في هذه المرحلة لإصدار روايته الثانية ( عشقت هيباتيا).
نحاور الكاتب القطري حسن علي أنواري لنتعرف عن قرب على تجربته.
حاورناه للتعرف على بعض آرائه..

*الكاتب مرآة المجتمع فكيف يمكنك وصف هذه المرآة من خلال تعريف القارىء بسيرتك الذاتية ؟

ـ حسن علي أنواري هو إنسان يعشق القراءة والكتابة، ويحب الاطلاع على الثقافة الإنسانية والتاريخ الحضاري.. فأنا إنسان يعشق الإنسانية ويحب التاريخ الإنساني والاطلاع على كافة الثقافات الإنسانية ونتج عن ذلك كله حبي وعشقي للكتابة، سواء كتابة الخواطر أو الكتابة الروائية ، ولذلك أنا دائماً أجسد الجانب الإنساني وأيضاً التاريخي في رواياتي.

*كيف يرسم الكاتب بداياته؟

ـ بداياتي في الكتابة تأخرت إلى حد ما وإنْ كانت هناك محاولات في كتابة الخواطر والقصة القصيرة، سواء في المرحلة الثانوية أو في مرحلة الجامعة وهذه تعد بداياتي ثم انتقلت للعمل الصحفي بكتابة التقارير والتحقيقات الصحفية وهذا كان يلامسني للعمل بالكتابة.
*هل البدايات دائماً ترسم حياة الكاتب إما بالنجاح وإما بالفشل؟
ـ نعم بكل تأكيد فضربة البداية مهمة جداً في رسم مسيرة الكاتب ، لأنها مرحلة التأسيس هي الأساس وهنا ينبغي على الكاتب أو الروائي أن ينوع ثقافته ويؤسس طريقة صحيحة حتي يستطيع أن يكون كاتباً.
*كيف يمكن أن يتأكد شخص ما أن لديه موهبة الكتابة ؟
ـ من خلال محاولاته وتجاربه في الكتابة ويسعى إلى نشرها، لأنَّ النشر هو ردة الفعل تجاه ما يكتبه الكاتب، صحيح في السابق كان الكاتب يعاني من صعوبة كبيرة في مسألة النشر، لكن في ظل التطور التكنولوجي وظهور الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أصبح المجال متاحاً أمام أي كاتب لنشر كل ما يكتب سواء عبر منشورات أو الظهور الصوتي و المرئي ليحصل على ردود الأفعال التي يريدها، وأصبح الفضاء الإعلامي أوسع وأرحب أمام الكاتب وبالتالي يستطيع التأكد أن لديه موهبة الكتابة من خلال ردة الفعل التي يحصل عليها من الجمهور.

*لماذا هذا التحول من تدريسي في وزارة التعليم إلى العمل الصحفي؟

ـ هذا التنوع خدمني كثيراً وخدم مسيرتي في الانطلاق نحو عالم الكتابة، خاصة أن بداياتي قبل أن أكون معلماً في وزارة التعليم كانت في العمل الصحفي حيث عملت مديراً لمكتب رئيس تحرير جريدة (الراية) بعد تخرجي من الجامعة مباشرةً ،ومن هنا بدأت دخول أجواء العمل الصحفي والإعلامي.
ثم جاءت المرحلة الثانية، وهي مرحلة التربية والتعليم والتخصص الجامعي الذي درسته وهو التاريخ ،وهذا أيضاً شكل بداخلي جانب التحدي ثم بعدها فضلت العمل الإعلامي باعتباره فيه تنوع ويناسب شخصيتي كرجل اجتماعي يعشق العلاقات العامة ومنفتح على الجميع، ولذلك العمل الصحفي والإعلامي خدمته وخدمني في آن واحد.

* كيف استطعت التوفيق ما بين الكتابة والعمل الصحفي؟

ـ هذا من أسباب تأخري في الكتابة ، لأنَّ العمل الصحفي أخذ مني مجهوداً كبيراً فالذي يعمل صحفياً، ويكتب الأخبار والحوارات والتحقيقات الصحفية يبتعد عن الكتابة الإبداعية لأنَّ الصحافة ستأخذ من وقته ومجهوده الكثير ،وتأخذ من أسلوبه الإبداعي أيضاً ، فعندما ابتعدت عن العمل الصحفي تمكنت من الإبداع.

*تأخرت عمرياً في إصدار أول رواية لك .. هل هناك سبب ما لهذا التأخير أم أنك انتظرت نضوج التكوين الأدبي والفكري لمشروعك؟

ـ هناك أسباب كثيرة دعتني إلى التأخر في العمل الإبداعي أبرزها أنَّ العمل الصحفي أخذ من الكتابة الإبداعية الشيء الكثير ، ثانياً أحمد الله أنني تأخرت في كتابة الرواية لأننا حققت النضج الفكري الذي يجعلني متميزاً في كتاباتي عن الكتابات الأخرى فأنا ولمدة أكثر من 25 عاماً، وأنا أطالع كتب تاريخ الحضارات وتاريخ الأديان والتاريخ الإنساني والثقافة وكتب الفلسفة وكل هذه المطالعات جعلتني ناضجاً وأستطيع أن أكتب الرواية، وأن أحفر لنفسي مدرسة خاصة في الكتابة ، فمثلًا كل قراءاتي في الفلسفة والتاريخ جمعتها في رواية
” ناريا” رغم أنها مختصرة إلا أنَّ فيها كماً كبيراً من الرموز الثقافية والتاريخية والأسطورية وهذا دليل على قراءاتي السابقة في تاريخ الحضارات.

*لكن ألا تعتقد أنه يعيب على الكاتب أن يبدأ متأخراً ؟

ـ إطلاقاً ..لا يعيب على الكاتب أن يبدأ متأخراً فلدينا الآن نموذج ثقافي من أبرز الروائيين، وحاصل على جائزة بوكر وهو الكاتب يوسف زيدان الذي بدأ متأخرا ً، وبدأ بروايتين قلبتا الدنيا وهما رواية “عزازيل” و” النبطي ” الأولى فازت بجائزة البروكر، والثانية كانت أيضاً مرشحة للفوز بها وبالتالي زيدان بدأ متأخراً بعد نضوج التكوين الأدبي والفكري الذي جعل كتاباته متميزة ، ولذلك أحمد الله أنني لم أكتب روايتي قبل 15 أو 20 سنة مثلًا وإلا ما خرجت بهذا الشكل الذي أريده بعد أن أصبحت لي مدرسة فكرية خاصة بي ومدرسة رمزية تاريخية ورمزية اسطورية.

*من هو الكاتب الأقرب إليك من أبناء جيلك.. ولماذا ؟

ـ تأثرت بمدارس روائية كثيرة واطلعت على كم كبير من الكتب وبطبيعتي فأنا أميل للمدرسة التاريخية والمدرسة الرمزية الأسطورية ، فمثلا تأثرت بالكاتب زكريا تامر، وهو رائد المدرسة الرمزية في القصة القصيرة ، من الناحية التاريخية هناك الكاتب يوسف زيدان تأثرت بكتاباته ، كما تأثرت أيضاً بالكاتب أمين معلوف، ومن الروائيين العالميين الكاتب البرازيلي باولو كويلو حيث تأثرت بمنهجيته كثيراً في الكتابة.

*ما الذي يغريك لكتابة الروايات التاريخية ؟

ـ كما ذكرت سلفاً أريد أن أتوجه لمدرسة خاصة بي في هذا المجال ، الأمر الثاني هو مطالعاتي الكثيرة على المدرسة الرمزية التاريخية وتاريخ الأديان والحضارات الإنسانية والأساطير القديمة هذه كلها شكلت هويتي الروائية وشكلت أيضاً أدوات كتابة الرواية فمثلًا روايتي ” عشقت هيباتيا ” رغم أنها رواية واقعية إلا أنها مطعمة بالتاريخ والاساطير والأديان وفيها تقاطعات تاريخية وثقافية وتاريخ الأديان والفلسفة وأيضاً من الشعر والأدب وهذه التقاطعات شكلت بالنسبة لي مدرسة خاصة في الكتابة.

*ما الذي يميز كتاباتك عن الأخرين عندما يكتب التاريخ ؟

ـ كل كاتب له فلسفته ومدرسته الخاصة ، فمثلًا يوسف زيدان له مدرسته الخاصة في التاريخ الإسلامي فهو كتب عن ابن سينا والنبطي وبالتالي تميزت كتاباته بأنها موجهة للعصر الإسلامي، ولكن أنا أميل إلى التاريخ القديم والأساطير القديمة.
*هناك استطلاع للرأي يقول إنَّ الكتاب العرب يتحمسون لكتابة الرواية التاريخية في حين هناك رأي مخالف للكاتب العراقي محسن الرملي يقول ” لا أميل للرواية التاريخية لاعتقادي بأنَّ الأبداع فيها قليل” ما رأيك في ذلك؟
ـ مقولة الأستاذ الكبير محسن الرملي وهو أستاذنا في الأدب التي تقول ” لا أميل للرواية التاريخية لاعتقادي بأن الأبداع فيها قليل” هي وجهة نظر صحيحة ، إذا ركز الكاتب فقط على الجانب التاريخي والأحداث التاريخية وانتزعها من الجانب الإنساني هنا تشكل الرواية جموداً وجفافاً لأنها انتزعت من الجانب الإنساني ، فعندما أكتب الرواية التاريخية أدخل فيها الأساطير والمشاعر والثقافة الإنسانية، وهنا لا تكون الرواية عبارة عن سرد تاريخي بل كأنني أحي التاريخ القديم مرة أخرى، وهذا ما سترونه في مشروعي القادم والذي سيكون عن بابل وأعمل عليه حالياً وستكون رواية تاريخية ولكن بأسلوب مختلف.

*كيف استقبل القراء والنقاد رواية ” ناريا” التاريخية ؟

ـ رواية “ناريا ” ليست تاريخية ولكنها فنتازيا تاريخية رمزية، استخدمت بعض الأدوات والمصطلحات التاريخية والأسطورية لحياكة نسيج روائي مختلف ، فهي في هيأتها تبدو أنها تاريخية ولكن عندما تتعمق في قراءاتها تجد أنها رواية رمزية فيها إسقاطات ورموز كثيرة وعلى القارىء أن يفك شفراتها حتى يصل إلى الاسقاطات التي يريدها في العصر الحالي.
*”عشقت هيباتيا” عنوان مميز لماذا قررت تسمية روايتك القادمة بهذا الاسم ؟ ولمن توجهها ؟
ـ أردت في رواية “عشقت هيباتيا” الخروج عن المدرسة الرمزية والتوجه إلى المدرسة الواقعية ولكن لا تخلو الرواية من اللمسات الخاصة بأسلوب روائي بالتاريخ والدين والثقافة وبها جانب من المشاعر الإنسانية والرومانسية وبالتالي هي رواية سياسية ولكن يطغى عليها الجانب الرومانسي.

*من الملاحظ أنك دائماً ما تركز في كتاباتك ورواياتك على الجانب الإنساني ؟

ـ لأننا لا نستطيع تجريد الرواية من الجانب الإنساني بأي حال من الأحوال لأنَّ العمل الادبي يتكون شخصيات وهذه الشخصيات هم بشر وهنا يجب أن يكون الجانب الإنساني طاغياً، وأنا أميل للمدرسة الإنسانية والفلسفية والابتعاد عن العنصرية والطائفية والمذهبية في أعمالي . فأنا أحترم الإنسان كإنسان مهما كان عرقه أو دينه أو مذهبه ولذلك أنا أجسد دائماً الجانب الإنساني في رواياتي.

*لماذا لم نقرأ لك مجموعة قصصية حتى الأن ؟

ـ كانت بداياتي بكتابات قصص قصيرة خلال المرحلة الجامعية ولكن لم تنشر هذه الأعمال، وهي بالنسبة لي كان بداية سلم الكتابة بالنسبة لي ولكن لم أنشرها . أنا بطبعي أميل لكتابة الرواية لأنني أهدف إلى كتابة عمل إنساني متكامل أو قضية إنسانية متكاملة والقصص القصيرة تسلط الضوء على جانب واحد فقط لقضية معينه أما الرواية فأنت تتناول القضية بكافة زواياها ومشتملاتها وأركانها وبذلك تكون لديك مساحة واسعة للتعبير عن هذه القضية بكل أريحية .
*ما هو سر التفاعل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي للخاطرة الموجهة إلى أميرة بابل ؟
ـ أنا أحترم المرأة كثيراً في أعمالي فهي نصف المجتمع وهي شريكة الرجل في الحياة وبالتالي المرأة لها وقعها ولها مساحتها ومكانتها، وهذا ما ستلاحظونه في رواية ” عشقت هيباتيا ” فمنحت المرأة مساحه كبيرة من الدور والعمل الإنساني والبطولي وكانت البطلة هي العمل المحوري في الرواية.
أما بالنسبة لخاطرة أميرة بابل والتي لاقت تفاعلاً كبيراً وخاصة من قبل النساء، لأنَّ الخاطرة تمس المرأة المكافحة والمجتهدة فكل امرأة قرأت هذه الخاطرة وجدت نفسها فيها فـتفاعلت معها، وكان التفاعل الأكبر من العراق ، لأنَّ المرأة العراقية مرت بظروف سياسية واجتماعية صعبة من حروب وحصار تمكنت من الصمود وأن تكون النصف الآخر من المجتمع ولذا وجدت نفسها في هذه الخاطرة التي ترفع من شأن المرأة.

*لماذا توجه العديد من قصائدك وخواطرك إلى العراق ؟ وماذا يمثل العراق بالنسبة لك ؟

ـ يقول محمود درويش ” كن عراقياً لتصبح شاعراً ” فالعراق بالنسبة لي هو العشق ، فأنا إنسان عاشق للعراق وتاريخه الحضاري والإنساني وثقافته العميقة الجذور إلى فجر التاريخ، كما أن ملهمتي هي من أحيت بداخلي كتابة الخواطر من جديد والتي ألقبها بأميرة بابل.
وأميرة بابل هي أميرة في شخصيتها، وفي جمالها، وفي عذوبة كلامها، وفي روحها الطيبة التي تحلق كحمامة بيضاء تمنح كل من حولها السلام والراحة والطمأنينة، أميرة لو جلست تحادثها لا تشبع من مسامرتها والحديث معها، أنيقة في الكلام، راقية في الأسلوب، فخمة في المعنى، تستلذ من عذوبة لسانها، وحلاوة كلامها، وأما عن جمالها فلا تحدث،ورثت جمال كل العصور وحسن كل الدهور، جمعت تاريخ جمال العراق فيها، فجاءت هذه الخاطرة تعبر عن مكنون القلب، وتصف هذا الشعور الجميل، وهذا الجمال الأخاذ، ومهما أقول فيها فلن أوفي حقها في صفاتها وجمالها، حتى لو أتغزل بها قرناً من الزمان، هي أميرة الحسن والجمال، التي جمعت على خصرها تاريخ الجمال في كل الحضارات .

*ما رأيك بمسيرة الحركة الأدبية في قطر ؟

ـ مسيرة الحركة الأدبية في قطر واعدة ومشرقة ، فيوجد كتاب كبار وإنتاج أدبي غزير ، والأن حقق روايات وقصص الكتاب القطريين انتشاراً واسعاً على المستوي المحلي والخليجي والعربي والإقليمي حتى بعض الكتاب المقيمين في قطر لهم دور وبصمة أيضاً في هذا المجال.
*يقال “كل كاتب على شاكلته يكتب، أما القراء فعلى أشكالهم من الكتاب يقعون”.. ما رأيك في ذلك ؟
ـ هي مقولة صحيحة لأن كل قارىء يميل إلى ما يكتبه الكاتب خاصة إذا كانت هذه الكتابات تمس جانب من حياته وحسه الأدبي والتاريخي والتنوع الذى أمامه ، فمثلا قارىء يميل للروايات الرومانسية طبيعي أن يميل لكتاب الرومانسية وإذا كان هناك قارىء يميل للروايات التاريخية فطبيعي أن يميل لكتاب التاريخ وهكذا الأمور ، ولكن الكاتب المبدع هو المبدع هو من يستطيع أن يوظف كل هذه الجوانب في رواية واحدة وهذا ما سعيت إلى فعله في رواية ” عشقت هيباتيا ” فهي رواية سياسية، رومانسية فلسفية، تاريخية ، أسطورية وهنا كل قارىء يستطيع أن يرى الرواية من الجانب الذي يريده ويستهويه.

*كلمة أخيرة تختم بها هذا الحوار؟

ـ أوجه في كلمتي الأخيرة حديثي إلى العراق ، صحيح أنه مر بظروف صعبة على مدى طويل من حروب وحصار ولكن أرى في نهاية لهذا النفق المظلم وأنَّ العراق سيرجع قائداً للحضارة الإنسانية ، فمن العراق ظهرت أولى الحضارات الإنسانية مثل سومر وبابل وآشور وكانت عاصمة الخلافة الإسلامية وقبلة العلماء والكتاب من كل حدب وصوب ولازال العراق هو سند الحضارة الإنسانية بعلمائه ومثقفيه ومفكريه ومبدعيه ليعود العراق حاملاً شعلة قيادة الحضارة الإنسانية في المنطقة.

Related posts

Leave a Comment